Friday, March 12, 2010

الرأي اليوم / لا... لم يقع يوسف!

بين فترة واخرى، تبرز من غبار الصخب السياسي صور مختلفة مشرقة، تذكرنا بالرجال، الرجال الذين لولا قدرة الله ولولاهم لما كنا اليوم نرفل بالسيادة والامن والاستقرار والحرية... انهم شهداء الكويت ومنهم يوسف ابراهيم صالح الفلاح الذي قضى عام 1990 حافرا صوته وصورته وبطولته في تاريخ لا ينسى.
يوسف الفلاح كان رائدا في الجيش الكويتي و«رائدا» في العمل المقاوم دفاعا عن ارض استبيحت من جيش صدام حسين. رفض ان يترك الديرة رغم نصائح اهله ومحبيه كون ضباط الجيش تحت الرقابة والمتابعة وشهوة الاعتقال والانتقام. رفض ان يبقى في الظل رغم ان موازين القوى كانت لمصلحة المحتلين. رفض ان يكتفي بالعمل الاجتماعي لتعزيز الصمود مصرا على انه عسكري وان على اكتافه وزر المقاومة الدامعة لا النجوم اللامعة.
بدأ بتدريب الشبان على استخدام السلاح خصوصا من بنادق القنص عن بعد. علّم مجموعات كيف تحضر مواد متفجرة من عناصر اولية بدائية. انشأ مخازن سرية للاسلحة تحت الارض. تحالف مع اطباء وخبراء لاستخدام السموم في عمليات المقاومة. عمل بلا كلل على تعبئة الناس في الدواوين والمساجد وشحذ هممهم ودفعهم الى الصمود والتصدي ورفض اليأس، وكان - رحمة الله عليه - يقول دائما ان النصر آت لذلك علينا الا نكون متفرجين بل طليعيين ومبادرين.
اعتقل يوسف الفلاح، وكانت فرحة الضابط العراقي لا توصف وهو يقول امام جنوده : «واخيرا وقعت يا يوسف». اقتيد الى اكثر من مكان معصوب العينين وعندما تيقن ان الاستخبارات العراقية آنذاك تملك عن طريق الوشاية معلومات موثقة حول دوره اقر واعترف وحصر المسؤولية به كي لا يكشف اسم اي شخص انخرط معه في المجموعات المقاومة. وامام اصراره على رفض كشف اسماء المقاومين رغم التعذيب الذي تعرض له خُيّر بين القتل امام منزله واهله وبين الافراج عنه لكنه ابى الا ان يستشهد، فأُحضر الى شارع المنصورية حيث يقيم اهله وأُعدم بإطلاق الرصاص عليه وبطريقة وحشية رغبة من قوات الاحتلال في جعله عبرة للمقاومين واختبارا لشجاعتهم لاحقا.
وبالطبع، كان يوسف الفلاح عبرة للمقاومين ودرسا في الشجاعة انما بالشكل المعاكس لما اراده المحتلون، حيث اشعلت دماؤه جذوة النضال والاستبسال وكانت سيرته نموذجا للشجاعة والشهامة والتضحية بالروح والدم من اجل الوطن، واتفق جميع سكان المنطقة والمناطق المجاورة على تسمية الشارع الذي استشهد فيه بشارع يوسف الفلاح تخليدا لذكراه واستذكارا لصفحة بيضاء لها خصوصيتها ورمزيتها انطلاقا من ارادة بطل اعزل تلقى بصبر وايمان وحشية جيش تعمد قتله امام اهله وابناء منطقته كي يلوي ذراع المقاومة لكن المنصورية بقيت منصورة ببطلها.
أهل المنصورية توقعوا ان يبقى اسم شارعهم على اسم بطلهم الشهيد وان كانت التسمية غير موثقة في الاوراق الرسمية، لكنهم فوجئوا بأن البلدية في صدد اطلاق اسم آخر على الشارع. اهل المنصورية لا علاقة لهم بدهاليز المجلس البلدي وقنوات اتخاذ القرار واصحاب النفوذ. لا علاقة لهم بالصفقات الدائرة بين مجلس الامة والحكومة خصوصا مع تراجع الاولويات بالنسبة للجميع وتقدم القضايا الانتخابية الشعبوية مثل معاملات العلاج بالخارج وتكديس الموظفين واسقاط فوائد القروض ومنع الاختلاط والرياضة النسائية وغيرها. لا علاقة لهم بحكومة مشغولة في كيفية «تظبيط» اعضاء مجلس الامة والحفاظ على غالبية في وجه الاستجوابات. قضيتهم ببساطة قضية ضمير ووجدان وذكرى... قضية بطولة وفداء واستشهاد... قضية مقاومين قضوا لننعم بالسيادة والحرية والاستقلال ولولا رعاية الله ولولا تحرك القيادة الشرعية في اتجاه الاشقاء والاصدقاء ولولاهم لما عادت الشرعية ولما كان مجلس بلدي ولا مجلس أمة وحكومة.
اليوم، يتوجه أهل المنصورية ونتوجه معهم، بنداء الى صاحب القلب الكبير ووالد الجميع سمو الامير حفظه الله، بأن يوعز للاجهزة المختصة ان يسمى الشارع باسم الشهيد يوسف الفلاح او ان يبقى بالاسم نفسه رسميا، اي المنصورية، بالتلازم مع الاسم الشعبي له اي اسم الشهيد، او ان يجد المجلس البلدي بدائل للاسم الجديد المقترح باختيار شارع مجاور مثلا، او يخرج بأي صيغة تحافظ على وفاء اهل المنطقة لذكرى شهيدهم... كي يدرك من قال له «واخيرا وقعت يا يوسف» انه هو من وقع في شر اعماله وان يوسف استشهد منتصب القامة مرفوع الجبين.

جاسم بودي



http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=190460

1 comment:

Anonymous said...

amazing article