Saturday, March 6, 2010

قصة الشهيد يوسف إبراهيم صالح الفلاح



الله فـــوق

السلطــــــــــان



قصة الشهيد

يوسف إبراهيم صالح الفلاح






الله فوق السلطان

يوسف إبراهيم صالح الفلاح

نـجم في سماء الكويت

وسط تصفيق الجنود والضباط قدم عريف الحفل الضابط يوسف الفلاح بهذه الكلمات المثيرة:

إن سيدي وزير الدفاع ينظر إلى الضابط يوسف إبراهيم صالح الفلاح بعين التقدير والثناء لما يتميز به من انضباط والتزام وحسن سيرة.. وتقديراً من القيادة للضباط يوسف لحبه عمله وتفانيه فيه فقد أمر سيدي الوزير بترقيته من مساعد لآمر جناح الإشارة في مدرسة الدروع إلى آمر للجناح.

جرس الخطر:

في جو أسري مفعم بالحب والسعادة احتفل الرائد يوسف مع أسرته بمناسبة ترقيته السعيدة ثم اتجه إلى غرفة نومه فسمع دقات الساعة تشير إلى الحادية عشر مساء الأربعاء الأول من أغسطس بينما كان يتمدد في سريره لينام مبكراً كعادته استعداداً ليوم عمل حافل وإذا به يسمع رنين الهاتف... فيمد يوسف يده ويرفع السماعة من جانب السرير ويقول:

- نعم .. يوسف معك

- أهلاً يا أب أحمد

وينتقض يوسف فجأة مذهولاً وهو يقول:

- ماذا تقول يا أبا أحمد !؟

- هل هذا معقول !!

- القوات العراقية اجتاحت أرض الوطن..

وتقف زوجته (رشا) مذعورة غضبة ودمعة غضب تتلألأ في مقلتيها .. ويترك يوسف سماعة الهاتف من يده وهو يخاطب زوجته في انفعال مؤثر شديد ويقول:

يوسف : معقول !! هل يمكن أن يحدث مثل هذا ؟!

رشا : شيء عجيب لا يصدق..

يوسف : معقول جار عربي ومسلم يفعل بنا هذا ؟

رشا : لابد أن ما حدث هو شيء له صلة بعلامات يوم القيامة ..

يوسف : (يردد غاضباً): كيف يفعل العراق هذه الفعلة النكراء؟ كيف ؟

وفي ذهول من (رشا)، لم يلبث يوسف أن ارتدى اللباس العسكري وانطلق من فوره ملبياً نداء الوطن والتحق بمعسكره في اللواء الخامس عشرى ومكث في المعسكر بعض الوقت إلا أنه حوالي الساعة السادسة من صباح يوم الخمس الثاني من أغسطس حمل يوسف وعدد من رفاقه أسلحتهم واتجهوا إلى معسكر المباركية (الجيوان) وكان المعسكر في ذلك الوقت يتعرض لقصف عنيف من قبل قوات العدوان، لكن (يوسف) تمكن من عدد من رفاقه من الدخول إلى المعسكر والانضمام إلى إخوانهم العسكريين ومشاركتهم شرف الدفاع عن تراب الوطن واستطاعوا رغم إمكاناتهم المحدودة مقاومة المعتدي العراقي بكل بسالة وأبلوا في ذلك اليوم بلاء حسناً.

أما (رشا) زوجته الوفية فلم يغمض لها جفن فقضت الساعات التي فارقها بها (يوسف) في حزن وقلق ... واتصل بها والدها وطلب منها أن تهدأ وتتمالك قواها وأن تأتي لتقيم في بيته إلى أن يعود (يوسف) فردت بقولها:

- لا يمكن أن أفعل شيئاً قبل أن يطمئن قلبي على زوجي.

وفي حدود الساعة التاسعة صباحاً رن التلفون في الصالة فسارعت بلهفة السماعة وهتفت:

(رشا) : من يوسف !؟

كيف حالك أنت وإخوانك ..؟ (عساكم منصوين) يارب

فرد يوسف:

أرجو أن تأخذي الأولاد وتذهبوا إلى (الشالية) فربما تكون المنطقة الجنوبية أكثر أمناً من سواها.

أجابت (رشا) متوسلة:

- يوسف أرجوك اسمح لي أن آخذ الأولاد وأذهب إلى بيت والدي .. ها .. ماذا قلت .. ؟

قال يوسف وكأنه يقتنص هذه اللحظات من غفلة الزمن :

- توكلي على الله يا (رشا)، وسلمي على أهلك جميعاً .. وانتبهي لنفسك وللأولاد.

ولم يكن يدور في خلد (يوسف) آنذاك أن العراقيين من الممكن أن يسيطروا على البلد تماماً.

الصـمــود:

استبسل (يوسف) ورفاقه نم حملة السلاح في المعسكر في صد القوات العراقية الغازية، إلا أن كثرة عدد جيش المعتدي وعدته مكنتهم من فرض سيطرتهم، لذلك قرر (يوسف) وعدد من رفاقه الأبطال الانتقال إلى منطقة (كيفان) لتنظيم صفوفهم ومواصلة الكفاح.

وبالفعل وصلوا إلى مخفر (كيفان) ولبث (يوسف) هناك إلى الساعة الثانية عشرة ليلاً، إلا أنه لم يستطع مقاومة التعب والإرهاق وهو الذي لم يذق طعم الراحة منذ الأربعاء.

وبعد الاتصال بزوجته (رشا عبد العزيز الرومي) حضر نسيبه واصطحبه إلى المنزل حيث كان يرتدي زيه العسكري الملطخ بدماء إخوانه الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن تراب الوطن الغالي، ولم يذق (يوسف) طعم النوم في تلك الليلة.

خرج في الصباح الباكر – كعادته – مرتدياً ملابسه العسكرية وقد حاولت (رشا) إقناعه بالعدول عن فكرة الخروج بتلك الملابس إلا أنه رفض ذلك بإصرار فتدخل والد زوجته وتوسل إليه أن يخلع ملابسه وأن يرتدي الزي الوطني، فامتثل البطل لطلب عمه، وتمنطق بمسدسه، ووصل إلى الدائري الرابع، إلا أن القوات العراقية المنتشرة أجبرته على الرجوع.

قرر (يوسف) منذ تلك اللحظة أن خير وسيلة لمواجهة المحتل المعتدي تكمن في التنظيم والتخطيط الهادئ المتزن المبني على أسس علمية، وأن المواجهة بغير تلك الطريقة هي ضرب من إلقاء النفس في التهلكة، فالمقاومة لا بديل عنها، ولا يمكن الاستسلام للمحتل الذي دنس تراب الوطن الغالي.

ولادة المقاومة المسلحة:

بدأت الخطوة الأولى في المقاومة المسلحة المنظمة للبطل (يوسف) يوم 4/8/1990م، عندما زاره أبو أحمد في منزله في العاشرة صباحاً للاطمئنان عليه بعد إصابته في معسكر الجيوان، ودار بينهما هذا الحوار..

يوسف: عندي رغبة قوية أن نقوم بتنظيم صفوف المقاومة لنواجه العدو المحتل.

أبو أحمد: عظيم يا (يوسف) عظيم فعلاً وأنا معك ولكن ..

يوسف : لكن ماذا ... ؟

أبو أحمد : لابد أن نبحث عن أصدقائنا الضباط.

يوسف : نعم .. نعم .. وبالذات ضباط اللواء الخامس وأنا وأنت يجب علينا أن نتحرك بسرعة ونسجل أرقام الهواتف حيث يكونون فيها.

وتم بالفعل تجميع عدد من الضباط على شكل مجموعات وجعل (يوسف) رفيقه (أبا أحمد) مسؤولا عن منطقة وخصص لكل واحد من رفاقه الضباط منطقة خاصة به لإدارة عمليات المقاومة أما (يوسف) فكان نصيبه قيادة منطقة الدعية.

وهؤلاء الضباط أصبحوا في ما بعد إحدى الركائز الأساسية للمقاومة الكويتية.. كما قام (يوسف) بخطوة أخرى وهي تجميع الشبان المدنيين الراغبين في الانخراط ضمن مجموعته وتدريبهم على استخدام السلاح فالتقي بصديقه (أبي أحمد) في 5/8/1990 في منزل والد زوجته في الدعية.

يوسف : أبا أحمد باختصار شديد أنا أطمح إلى أن نتعاون كلنا في تدريب شباب الكويت على استخدام السلاح.

أبو أحمد: وأنا على أتم الاستعداد لتقديم ما يطلب مني في سبيل الوطن.

يوسف: بارك الله فيك يا أبا أحمد .. وهذا ظني فيك دائماً .. على فكرة يا أبا أحمد أنا لدي أسلحة وذخائر ومجموعة مقاومة.

أبو أحمد: وأنا لدي أيضاً مجموعة ولكنهم مدنيون وهم بحاجة إلينا جميعاً لمساعدتهم في التدريب والتخطيط وتوفير السلاح وتقديم النصيحة.

يوسف: عظيم جداً وأنا وإخواني سنقوم بتوفير السلاح والمدربين لهم وإذا لزم الأمر فسوف أتكفل بالعمل بنفسي.

وبالفعل نفذ يوسف ما وعد صديقه به وكان (أبو أحمد) أول من تسلم السلاح منه.

الإعداد والتهيؤ :

إن طبيعة عمل (يوسف) العسكرية ومعرفته التامة بمخازن الأسلحة سواء تلك التي في منطقة (كيفان) أو مخازن الجيش في منطقة (صبحان) أو مخازن الشرطة في منطقة (الشويخ) مكنته وعدداً من رفاقه من الحصول على حوائجهم من الأسلحة والذخيرة وتخزينها في منزله.

في بداية الأمر قام بجلب الأسلحة بسيارته الخاصة، ولكن فيما بعد تم إحضار الأسلحة في سيارات خاصة يصعب الكشف عما بداخلها، لكن أصبحت عملية جمع ونقل الأسلحة بمرور الوقت أكثر صعوبة من ذي قبل فقام يوسف بأخذ السلاح ممن لديه أكثر من حاجته وإعطائه لمن لا يملك وقد حاول (يوسف) قدر استطاعته أن يسير وفق نظام دقيق وعملي حتى لا يثير الشك والريبة لدى قوات الاحتلال ولم تلحظ زوجته عليه أموراً تدعو إلى القلق في البدايات الأولى عدا وجود أسلحة في البيت واتصال عدد من المواطنين به، وقد استجابت مجموعته لهذه الدقة وهذا النظام حيث تحول كثير منهم من مدني إلى عسكري بصورة سريعة، ولرغبة البطل في إعاقة تحركات العدو العراقي على الدائرين الخامس والسادس فقد قام أحد أصدقائه بتزويده بعدد من الشبان المدنيين. ورغم بساطة خبرتهم. إلا أنهم استطاعوا أن يؤدوا واجبهم خير أداء. وقاموا بعمليات قنص على الدائرين الرابع والخامس وفي منطقة (كيفان)، وقد تمت تلك العمليات تحت إشراف (يوسف) ويذكر أحد أصدقائه أنه كان متمكناً من عمله وقادراً على احتواء الموقف وسهلاً في تدريب زملائه على استعمال السلاح وفي إيصال المعلومات إضافة إلى ذلك فإنه كان حريصاً على أرواح مجموعته، متفادياً تعرضهم للخطر لأن الإنسان الكويتي في نظر البطل لا يعوض، وقد أخذ (يوسف) على عاتقه توجيه الشبان والتخطيط لهم والإشراف عليهم وإحضار الأسلحة، وكان يقوم بعمليات الاستطلاع لمواقع العدو المختلفة ورصد تحركاتهم تمهيداً لتنفيذ عمليات ضدهم، وذات يوم طلب يوسف من زوجته مرافقته كما اصطحب معه أختها ووالدة زوجته وابنه عم زوجته وأختها إلى منطقة الجابرية، وتذكر زوجته (رشا) أنه وقبل مستشفي الهادي بمسافة قليلة شاهدوا دبابة عراقية اقتربت منها سيارة مرسيدس حيث نزل منها شابان قاما بسكب بنزين على سجادة ثم ألقوها داخل الدبابة، فاحترقت ولاذا بالفرار قبل وصول الدورية العراقية، وأدركت زوجته (رشا) أن زوجها تعمد أخذها لمشاهدة كيفية تنفيذ هذه العملية التي خطط لها شخصياً وليقوم في نفس الوقت هو شخصياً بالتغطية على منفذي هذه العملية الجريئة، واستمر البطل (يوسف) في عملية التوحيد والتخطيط والإشراف، ولكنه مع بداية شهر سبتمبر توقف عن إحضار الأسلحة وتخزينها في منزله وذلك لقيام جنود الاحتلال بتفتيش المنازل مما دفعه إلى التركيز على البيوت المهجورة والأرض الفضاء لأنها أنسب الأماكن لتخزين الأسلحة والذخيرة، وقد قام (يوسف) قبل أسبوع من اعتقاله وبمساعدة شبان الحي بدفن كمية من الأسلحة والذخائر في أرض فضاء قريبة من منزلهم كانت تستخدم حظيرة ماشية، وأثارت تلك الأرض الفضاء شكوك العراقيين ولا يعرف على وجه الدقة سبب ذلك حيث قام جنود الاحتلال ولساعات ثلاث بنبش الأرض فلم يجدوا شيئاً.وكان وجود الأبقار والخيول والأغنام من أكبر العوامل التي ساعدت على انصراف أبصارهم عنها حيث دكت الأرض وسوتها وملأتها بمخلفاتها، وكان (يوسف) في تلك الأثناء ينظر من نافذة المنزل فرأى جنود الاحتلال يحفرون في منطقة لا تبعد سوى سنتيمترات عن مخبأ الأسلحة وعندها أدرك خطورة الوضع، لكنه أكد لزوجته (أنه إذا عثر جنود الاحتلال على الأسلحة فسوف أعترف أنها تخصنى وحدي حتى لا يظلم أحد ويعتقل أبناء الحي كلهم). رغم أن الكثير من أبناء الحي شاركوا في إخفاء الأسلحة،

 أحست زوجته (رشا) بالخطر على زوجها وأخذت تلح عليه بالخروج من الكويت مذكرة إياه بأنه أصبح مهدداً وأن أعصابها بدأت تنهار، رفض (يوسف) حتى مناقشة الفكرة وأصر على البقاء وأخذ يردد أمامها بأنه رجل عسكري وأن الوطن اليوم في أشد الحاجة إليه وإلى تضحيات شبابه الوطني أكثر من أي وقت مضى وأنه شخصياً إن لم يقم بواجبه نحو وطنه الآن فمتى يقوم بذلك!! فالوطن لم يبخل عليه في السراء فكيف يدير له ظهره في الضراء!؟

إن فكرة الخروج من الكويت لم تدر في خلد الشهيد، أوليس هو القائل (لو خيروني بين بناتي وبين الكويت لاخترت الكويت) لقد كان (يوسف) صادقاً مع نفسه عندما ردد تلك الكلمات وكان الخروج بالنسبة له كانسلاخ الفرد من جلده، كما أيقن البطل بحسه الفطري أن الكويت راجعة بإذن الله لأصحابها الشرعيين وأن الكابوس سوف يزول في القريب العاجل ولكن هذا لا يعني السكوت على الاحتلال هكذا أحب يوسف وطنه الكويت وهكذا أراد الدفاع عنه، لقد اتخذ من المقاومة أسلوباً يعبر من خلاله عن رفضه العدوان الغاشم على وطنه وأصر على محاربته رغم معرفته بقوة جحافل الغدر ولكنه أبي التراجع وواصل المقاومة، فلم يتردد في التعاون مع صديقه هشام في إيقاع الضرر بجنود العدو الغاشم بكل ما أسعفتهم الحيلة من وسائل وأساليب، ساعدهما على تنفيذ ذلك كله رفاقهما من شباب الكويت.

وبهذه الأساليب قضى على الكثير من رجالهم وكبدت هذه العمليات المعتدي العراقي خسائر فادحة في صفوفه وتركت الأثر الكبير في نفوس العراقيين وجعلتهم أكثر حذراً عند تناول أي شيء من يد كويتية ويذكر أحد أصدقاء يوسف أن عددا من الذين أصيبوا في حادثة التسمم بلغ 300 عراقي في النادي العربي وحده ولا شك في أن هذا النجاح الذي حققته هذه العمليات زادت من الشعور بالاعتزاز والفخر عند (يوسف) ورفاقه.

ورغم هذا النشاط في مجال المقاومة المسلحة، فإن دوره لم يقتصر على توجيه الشباب والتخطيط لهم لمقاومة العدو الغاشم فإن نشاطه امتد ليشمل دعوة الناس إلى الصمود في أرض الوطن، ونقل المعلومات والإطلاع عن كثب على أحوال الصامدين وتشجيع الناس على الاستمرار في العصيان المدني وفي نفس الوقت توجيه موظفي الخدمات الضرورية للبقاء في أعمالهم خدمة لإخوانهم الكويتيين، كما شارك يوسف أيضاً في نشاط جمعية المنصورية وفي توزيع المواد الغذائية والأموال للأسر المحتاجه إضافة إلى دوره في الاطمئنان على سير الأحوال في المستشفيات والأمور المتعلقة بقيادات المقاومة.

اعتقال البطل:

قام (يوسف) بعد اعتقال ابن عم زوجته بتغيير مسكنه واستقر في شقة أخت زوجته، وقد اعتاد (يوسف) في أثناء تلك الفترة على تناول الغداء في منزل والد زوجته وأداء صلاة الظهر في مسجد (البشر) في منطقة مشرف حيث تعقد اجتماعات هناك لمعرفة أخبار البلد ثم العودة مرة أخرى إلى نبيد القار، أما عن علاقته بصديقه هشام العبيدان فلم تنقطع وكانا على اتصال يومي ما بين الساعة الحادية عشرة والثانية عشرة ليلاً وقام (يوسف) وزوجته في يوم السبت 22/9/1990م كعادته بزيارة أهل زوجته وخرج بعد الغداء لأداء صلاة الظهر في مسجد البشر ثم عاد إليهم ولكن سرعان ما طوقت قوة عراقية المنزل ونزلوا بكامل عدتهم من أربع سيارات عسكرية واقتحموا المنزل ويذكر ابن عم الزوجة بأنه عندما شاهد يوسف يدخل منطقة الدعية لاحظ وجود سيارات عراقية تدخل بسرعة خلفه إلى المنطقة الدعية  وفي أثناء دخوله تم تطويق المنزل، أدركت والدة الزوجة أن الخطر يتهدد يوسف وطلبت إليه أن يختبئ أو يهرب، إلا أنه رفض ذلك وقال لها، أنا خارج وسلمها قبل خروجه مبلغاً كبيراً من المال كان ينوي توزيعه على الأفراد والأسر المحتاجة، ولم يكن يوسف في تلك الأثناء يتوقع اعتقاله لأنه كان يشعر بأن ليس هناك أي تبليغ عنه، وكان واثقاً من نفسه وأنه لا يستطيع أحد كشف أعماله ضد المعتدين، ولم يتوقع أن أحداً يشي به وخرج البطل لملاقاة العراقيين وفي الديوانية تبادل يوسف الحديث مع جنود الاحتلال ثم إنهم طلبوا هويات كل الأشخاص الذين كانوا في الديوانية وبالفعل أخرج الجميع هوياتهم وعندما وصلوا إلى (يوسف) التفت رئيس المجموعة إليه بلهجة ماكرة ساخرة وقال له:

- أنت حضرتك .. أين هويتك ؟

فما كان من يوسف إلا أن مد يده إلى جيبه وأخرج لهم هوية مزورة فأخذها النقيب العراقي وتفحصها وتفحص وجه (يوسف) ثم همس في أذن ملازم عراقي يقف بجواره فهز الملازم رأسه ورفع صوته قائلاً:

- نعم ... ياسيدي هذا هو ...

فصرخ النقيب في الجنود:

- هيا .. اقبضوا عليه ..

حاول يوسف المقاومة ولكنهم كثيرون

وبعد أن وضع الجنود في يديه القيود وسط ذعر أهل زوجته وإشفاقهم عليه.. هزه النقيب من كتفه هزة عنيفة وقال له بشيء من التشفي والانتقام:

- وأخيراً وقعت يا (يوسف) إن سبب اعتقاله يعود لكونه قتل عدد كبير من الجيش الجمهوري بالذات و لكونه عسكرياً ورائداً في الجيش الكويتي.

وبحركة عصبية من يده أشار النقيب إلى الجنود فتزعواً (غترة) يوسف من رأسه وألقوا بعقاله إلى الأرض وقبل أن يغمضوا عينيه بغترته نظرت إليه (رشا) بنظرات من خلال الدموع ملؤها اللهفة والحب والتشجيع وقالت له:

- لا تخف يا يوسف إن شاء الله ربك معك.

ولما شد الجنود (الغترة) على عينيه سارعت (رشا) إلى النقيب تتوسل إليه وهي تبكي وكذلك توسل إليه أهلها كلهم ليدعه بحجة أنه بريء ولم يفعل شيئاً فنهرهم الضابط وهو يصرخ في وجهوههم ويقول:

- معقول أنكم لا تعرفون ما فعل (يوسف) بجنودنا النشامي من فظائع ثم أشار إلى الجنود وقال غاضباً:

- هيا خذوه ...

وبينما جنود الاحتلال يقتادونه أسرع ابن عم رشا وسأل الملازم:

- عفواً ربما كان هناك التباس أو خطأ أو تشابه في الأسماء وأن يوسف لم يفعل شيئاً يستحق عليه أن يأخذوه بهذه الطريقة.

- فنهره الضابط وهو يقول له مهدداً:

- لا تكن محامياً لواحد قتل العراقيين.

وخرجوا به خارج المنزل ودفعوه بوحشية إلى إحدى السيارات الجيب ثم انطلقوا به وأخذوه إلى ما يسمى بمنظومة استخبارات منطقة الخليج في نفس اليوم.

إن هدف العراقيين أصبح واضحاً وهو اعتقال (يوسف) أي أنه المقصود لذاته ولديهم معلومات مؤكدة عنه ولم يكن هدفهم مجرد التفتيش أو البحث عن شيء معين.

وباعتقالهم له انهارت أعصاب زوجته (رشا) وأحست أنها فقدت نجاة أعز ما عندها وأنها لا تستطيع العيش بدونه فهو بالنسبة لها كالماء والهواء... وارتعدت من القلق والفزع عليه وفكرت ماذا تفعل وكيف تتصرف ولمن تشتكي فخطر ببالها ولمعت في ذهنها فجأة فكرة أن تتصل بصديقه الحميم (أبي أحمد)...

وعلى الطرف الآخر من الخط رد (أبو أحمد):

- نعم أبو أحمد يتكلم فمن معي لو سمحت وباهتمام بالغ ردد .. أبو أحمد.. الأخت رشا زوجة أخي (يوسف)

- خير إن شاء الله ماذا حدث؟

- وبنبرة حزينة جدا قالت (رشا):

- أخذوا يوسف معهم..

- لا حول ولا قوة إلا بالله.

- حسبان الله ونعم الوكيل

- طيب أنا قادم إليكم

وما هي إلا دقائق معدودة حتى حضر (أبو أحمد) وأخذ في تهدئتها وطمأنتها بحضور أهلها وقال لهم جميعاً:

أبو أحمد : سوف نخرجه بإذن الله تعالى ...

غادر (أبو أحمد) المنزل ولم تكن رشا تعلم أن منزلهم مراقب وشاءت إرادة الله تعالى أن يتم اعتقال (أبي أحمد) أيضاً بعد خروجه عند إشارة القادسية ونقلوه إلى معتقل في منطقة الجهراء حيث كان (يوسف) هناك.

في المعتقل:

كان يوسف عند اعتقاله قد نقل أولاً إلى معتقل (نادي كاظمة) ثم حول إلى معتقل الجهراء (مبنى بلدية الجهراء) وكان المعتقل يحتوي غرفاً وضع (يوسف) في الغرفة رقم واحد بينما أخذ صديقه (أبو أحمد) إلى الغرفة رقم3 واستجوبوه في اليوم الثاني من اعتقاله وسألته سلطات الاحتلال عن نشاط الرائد يوسف ووفقاً لإفادة الصديق فإنه ذكر للعراقيين أن معرفته بيوسف تمت عن طريق زوجتهما بحكم صداقتهما لا أكثر من هذا ولا أقل وحول الصديق بعد ساعتين من الاستجواب إلى غرفة رقم واحد حيث يوجد يوسف.

ويذكر الصديق أنه لما شاهد يوسف في الغرفة صدم لأنه اعتقد أن اعتقاله تم لمجرد أنه عسكري ورائد في الجيش الكويتي وأنه سوف يحول إلى سجن (بعقوبة) في العراق مع بقية الأسرى العسكريين. ولكن يوسف أخبر صديقه (أبا أحمد) أن اعتقاله تم لمعرفتهم بكل شيء عن عملية إيذاء الجنود العراقيين واستخباراتهم وعن الدكتور هشام العبيدان، ويروي أبو أحمد أنه لم يبدر من يوسف أية علامة تدل على خوفه من التعذيب بل كان يقول له لا يضيق خلقك، الله فوق السلطان، إن هذه الكلمات التي أطلقها ليست سهلة خاصة عندما يتفوه بها شخص وضعه صعب يائس كما كان حاله ولكن الشجاعة والإيمان بقضاء الله وقدره كانا سلاح البطل يوسف، لقد كان يعرف الكثير جداً عن رجال المقاومة مثل صديقه (أبي أحمد) ولكن لم يفلح العراقيون معه في الحصول على أية معلومات من الممكن أن تضر المقاومة، ومع أنهم لجأوا إلى أساليب العذيب النفسي والبدني الرهيبة في أثناء التحقيق معه ورغم الصرخات التي يطلقها من شدة التعذيب إلا أنه أبي الإدلاء بمعلومات عن أفراد المقاومة إضافة إلى محاولاتهم المتكررة في الإيقاع بين الرائد يوسف وصديقه هشام العبيدان، بل إن البطل يوسف فعل أكثر من ذلك إذ اعترف على نفسه ونسب كل شيء إلى نفسه وذكر الرائد يوسف لمجموعة من الأفراد الذين كانوا معه في المعتقل عندما سألوه عن سبب اعترافه على نفسه رد عليهم:

بأن العراقيين واجهوه بأدلة وبمعلومات مؤكدة عن كل خطة وعن كل عملية وعن كل حركة عنه في اليوم والساعة.

وكانت قاصمة الظهر ليوسف يعدمونه ولذلك قال لعدد من رفاقه في المعتقل إن العراقيين سوف يعدمونه لا محالة فلماذا يتبع معهم الطريق الطويل ويتعذب وبالفعل اختصر يوسف الطريق واعترف على نفسه وباعترافه الصريح على نفسه لم تتعرض مجموعته أو المجموعات الأخرى التي تعاون معها وضحى يوسف بعمله البطولي هذا بنفسه من أجل مجموعته وتلك هي قمة التضحية والرجولة.

ملابسات الاعتقال:

إن معرفة المخابرات العراقية بنشاط يوسف يبين بوضوح أن أحد الأفراد الذين جندهم الشهيد للتجسس على العراقيين وللحصول منهم على معلومات حول نشاطهم العدواني. هو الذي أبلغ عنه، ومن الممكن أن يكون هذا الشخص وينتمي إلى دولة عربية قد تم إغراؤه بالمال من قبل المحتلين للتجسس على الشهيد ولهذا انقلب عليه وأخبرهم بكل تحركات يوسف وفي المعتقل أخبر الرائد يوسف رفيقه محمد الدوسري أن هذا الشخص هو الذي أوصله وهشام إلى هذا الوضع وكان يوسف يعرف هذا الشخص العربي حق المعرفة ويثق به وقد قامت أخت هذا الشخص المتهم بالاتصال بزوجة يوسف بعد اعتقال زوجها بثلاثة أيام تحذرها منه لأنه من الاستخبارات العراقية كما ذكر أحد أصدقاء يوسف علي لسان يوسف نفسه إذ واجهه بأمور لا يعرفها إلا هذا الشخص المذكور إضافة إلى ذلك قام هذا الشخص بالاتصال بزوجة يوسف في يوم اعتقال زوجها وذكر لها بأنه مراقب من قبل العراقيين وأنه مختبئ في منطقة الرقعي وكان أحد أقرباء الزوجة قد أبلغها في الوقت نفسه أنه شاهد هذا الشخص وقد دخل النادي العربي برفقة النقيب العراقي إبراهيم المفوض وكانا يضحكان مما يدل على تعاونه مع الاستخبارات العراقية.. غير أن ما أشير إليه لا ينفي أيضاً احتمال أن يكون يوسف مراقباً لتردده شبه اليومي على مسجد البشر أو أن تكون سلطات الاحتلال قد وضعت تلفونه تحت المراقبة وذلك لأنه كان على اتصال يومي بصديقه الدكتور هشام العبيدان، ولكن الشواهد تؤكد أن هناك وشاية مصدرها الشخص الذي كان يعمل عند يوسف والذي أشرنا إليه وقد جاء ضمن وثيقة لسلطات الاحتلال العراقي أن معلومات قد وردت من أحد الوكلاء عن نشاط الدكتور هشام وهكذا فإن اعتقال البطل يوسف ارتبط باعتقال البطل هشام.

الاستشهاد:

دخل المفوض العراقي النقيب إبراهيم في الساعة الثامنة صباحاً من يوم الأربعاء 3/10/1990 إلى زنزانة يوسف ونادي على الرائد يوسف الفلاح، وما أن نهض بطلنا...

حتى بادره بالسؤال .. أين منزلك ؟

فرد عليه: في منطقة الدعية.

ويذكر صديقه (أبو أحمد) الذي كان شاهداً لهذا الموقف أنه صدم بما قاله المفوض العراقي حيث أدرك أن مصير يوسف هو الإعدام لا محالة ويصف صديقه تلك اللحظات بقوله:

إن يوسف لم يتأثر بل سلم على رفاق المعتقل وكأنه سوف يذهب إلى زنزانة ثانية.. مع أنني على يقين بأن البطل يوسف يعرف مصيره.

ووقف بشكل عادي وطلب منه النقيب ربط عينيه فاستجاب يوسف للأمر ونقله جنود الاحتلال إلى أمام الباب الخلفي لمنزل أرملة عم يوسف في الدعية وأطلقوا النار عليه عند الباب الخلفي حيث لفظ أنفاسه الأخيرة في حدود الساعة الثانية عشرة ظهراً ثم غادروا المكان وعندما فتحت أرملة عم الشهيد الباب الخلفي وجدت جثمان الشهيد ملقي على الأرض ودماؤه الطاهرة تسيل، وسرعان ما حضر أهل الزوجة وقام ابن عمها بإلقاء نظرة عليه وأغلق عينيه وحل رباط يديه.. أحسست (رشا) في هذه الأثناء بحركة غير عادية في المنزل فأدركت أن يوسف استشهد فأرادت أن تخرج لتراه إلا أن أهلها منعوها خوفاً عليها، وحملوا جثمان الشهيد إلى مستوصف الدعية وتم الكشف عليه ونقل بعدها إلى مستشفي الأميري وأصدرت له شهادة وفاة بطلق ناري في الرأس والصدر وتم دفن الشهيد في نفس اليوم في حدود الساعة الرابعة عصراً وقد دفن في قبر جماعي وكتب على شاهد القبر يوسف فلاح وهشام العبيدان وأبناء الضامر وصلاح الرفاعي.

وهكذا انتهت حياة هذا البطل الذي عمل منذ الأيام الأولى للاحتلال من أجل تنظيم مقاومة المحتل، فقد كان يعلم أن ما يقوم به هو الواجب تجاه الوطن والكرامة التي ضحى بحياته من أجلها.. رحم الله الشهيد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، فقد كان نجماً ساطعاً من نجوم المقاومة الكويتية ضد الظلم والغدر

3 comments:

Anonymous said...

رجل والرجال قليل
والله انني ما اعرف الريال...لكن دمعتي انزلت من قصته
بعد ما قريت القصه احسست بمدى تفاهة مشاكلنا الحاليه
وين رجال الغزو ووين رجال الحين
الله يرحمك برحمته يا شهيدنا...ثق تماما
ان دمك ما يروح هباءا منثورا
ومثواك الجنه عند الرفيق الاعلى
ومع الاسف ان هالايام ناس تبوق ويتصدرون وسائل الاعلام
ورجال احرار امتزجت دماءهم مع تراب الوطن يستخسرون فيهم اسم شارع بمنطقه
تحياتي لاسرة الشهيد...والله ان يوسف فخر ما بعده فخر لكم ولنا كلنا
وما اقول الا الجمله اللي قالها
الله فوق السلطان

mimi said...

ooh my god,,
u made me cry,,wallah galby ye3awerny,,
allah yer7oma ya rab ,,
ana oby aseer,, w kel youm ad3y inna yerja3 lna,, i need him,, elmoshkela inna elnas ye7sebona nsena ,,ma yadroon inna kel leela asolef m3ah ,,shloon nensa,, ya rab yerja3 kel aseer,, w yer7am kel shaheed w yej3al yousef elfala7 w i5wana w 5awata elshohada ib a3la darajat eljenan,,ameen

Hope said...

حسبي الله عليهم
حسبي الله و نعم الوكيل
الله يرحمه و يغمد روحه الجنه
الله يصبر اهله و يجمعهم فيه بالجنه